موقع راديو و تلفزيون لوبه نت
اضف اهداء

هل يأثم المسلم على بغض والديه القلبي في حال خالفوا الشرع؟

هل يأثم المسلم على بغض والديه القلبي في حال خالفوا الشرع؟ | موقع سوا
2015-09-07 14:24:08
+ -


السؤال:

هل إن كان الشخص يكره والده ولا يحبه، مع حسن معاملته ومحاولة برِّه، يأثم بهذه المشاعر، مع العلم أن والده هو من تسبَّب في هذه المشاعر بقسوته وأسلوبه في المعاملة مع الأبناء؟


الإجابة:

الحمد لله

إن الله تعالى أمر الأبناء ببر والديهم والإحسان إليهم، ونهاهم عن عقوقهم والإساءة إليهم، وغرس فيهم من المحبة الفطرية ما يعينهم على ذلك البر والإحسان، وينفرهم من العقوق والعصيان.
فإذا ما قدر أن يقع من الوالدين، أو أحدهما، شيء من المعاصي الشرعية التي يطلع عليها الأبناء، أو تلك التي تكون في حق أبنائهم أصالة، فينبغي على الابن أن ينظر إليهما بعين الرحمة والشفقة على ما وقعا فيه، والحرص على هدايتهما ونجاتهما من معصية الله جل جلاله.
فإذا غلب الإنسان، فوقع في قلبه شيء من الكراهة لهما، فليجاهد نفسه على ضبط الأمور، فتكون الكراهة لفعلهما، وليس لذاتهما؛ بحيث يكون اجتهاده ورغبته الصادقة في نجاتهما من معصية الله، ورجوعهما إلى طاعته، ليزول الداعي إلى تلك الكراهة.
فإذا غلب ـ أيضا ـ على شيء من ذلك، أو بقي في قلبه من النفرة أو البِغضة، التي لها سبب ظاهر، ما لم يجد له دفعا، فيرجى له ألا يؤاخذ بذلك، إن شاء الله ، وألا يكون عليه فيه حرج، لا سيما إذا كان ذلك في حق والد كافر، أو ظاهر الفسوق والعصيان، أو مبتدع منافر للسنة وأهلها، أو نحو ذلك.

غير أن ذلك كله ليس عذراً يبيح التفريط في برهما، أو الوقوع في شيء من العقوق الظاهر لهما، بالقول أو بالفعل. قال تعالى -في حق الوالدين المسلميْن-: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 23-24].
وينظر"كيف يتصرف مع والدته التي يعلم أن لها علاقات محرمة مع أجانب؟"

سئل علماء اللجنة الدائمة:
إنني أجد بغضا وكراهية لأبي؛ وذلك غضباً لله عز وجل، فإنه ما من بيت من بيوت الجيران إلا ونظر على شأنهم، وكم من المشاكل حدثت بسبب هذا الموضوع، وعلمت حقّاً بما قاله ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه سيأتي زمان على هذه الأمة يذوب فيه قلب المؤمن كما يذاب الملح في الماء، وذلك لكثرة ما يجد ولا يقدر أن ينكره، وإنه يسبب لي المشقة لعلمي أن معصية الوالدين من الكبائر.
فأجابوا:
عليك بالإحسان إلى والدك وبذل المعروف له وطاعته في غير معصية الله عز وجل، وحاولي بذل النصيحة له إن قدرت عليها ولم تخشي مفسدة أعظم.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (25 /155،156).
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-:
أبونا قد هجر أمَّنا، هو يعاملنا بقسوة، ولا يعطينا شيئاً، علماً بأنه يملك الكثير من الأموال، مما أحدث في قلوبنا شيء من الكراهية له، فبماذا توجهونه؟ مأجورين.
فأجاب:
الواجب عليه: أن ينفق على أبنائه إذا كانوا فقراء، الواجب عليه: أن ينفق عليهم، وأن يعاملهم باللطف والإحسان والخلق الحسن، والواجب على أولاده أيضاً: أن يعرفوا قدْره، وأن يبرُّوه، وأن يخاطبوه بالتي هي أحسن، وإذا دعت الحاجة إلى أن يرفعوا الأمر إلى المحكمة: فلا بأس، يقولون: والدنا، ونحن فقراء ولم ينفق علينا، يرفعون أمره إلى المحكمة، وإذا توسط لهم بعض الطيبين من الجيران والأقارب لدى الوالد حتى ينفق: فهذا أحسن من المحكمة، أحسن من الخصومة.
وصيتي للأولاد: الرفق، والبر بالوالد، والكلام الطيب مع الوالد.
ووصيتي للوالد: أن يتقي الله، وأن ينفق على أولاده المحتاجين، وأن لا يحوجهم إلى الشكوى إلى المحكمة، أو إلى توسط للناس، يجب أن يعدل من نفسه، وأن يعرف ما أوجب الله عليه، وأن ينفق عليهم ما داموا فقراء، وأن يحسن إليهم، وأن لا يحوجهم إلى شكوى ولا إلى غيرها، وعلى الأولاد جميعاً أن يجتهدوا في برِّ والدهم، والكلام الطيب معه، ومخاطبته بالتي هي أحسن، وإذا دعت الحاجة إلى أن يطلبوا من أعمامهم أو من بعض جيرانهم أو أصدقاء والدهم أن يتوسطوا لدى والدهم بالإحسان إليهم وإيتاء حقهم بدلاً من الشكوى: فهذا أطيب، وأحسن. "فتاوى نور على الدرب" ( شريط رقم 261 ).

فالوصية لمن كان هذا حاله:
أن تحتفظ بشعورك تجاه والدك في قلبك، وأن تجاهد نفسك للتخلص منه، وأن تصبر على ما ترى من والدك، وأن تعينه على طاعة ربه وأن لا يقع في مخالفة شرعية، ولا تنس أن برَّه عليك واجب، وعقوقه محرَّم، فأحسن إليه، وادع الله أن يهديه فهذا من حقه عليك.

وما سبق كله هو في حال أن يكون الوالد مرتكباً لمعصية بينة، أو منكر يُغضب الله، وأما أن يكون ما يصدر من الأب ضبطاً لأولاده في أفعالهم، وقسوة في محلها على المخالف: فمثل هذا لا يجوز معه بغضه البغض القلبي، ولا ينطبق عليه ما ذكرناه سابقاً ، فليُنتبه لهذا، فإن كلامنا في العُصاة الظلمة والقُساة البُغاة، وليس فيمن يقسو في مكانه، ويضع حدّاً لمخالفات أولاده بما يردعهم ويربيهم.
وانظر أجوبة: "أبوه عصبي المزاج وسبّاب وكثير الخصومات في البيت" و"والدها يقسو عليهم وعلى أمهم فعزموا على مقاطعته"و "بر الوالد المنكر للحديث" و"كيفية معاملة الأم الفاسقة".

والله أعلم.