موقع راديو و تلفزيون لوبه نت
اضف اهداء

"نكهة دم" بين رقصة الفالس وأزقة المخيم

2016-03-30 14:52:09
+ -

سوا-نت- نصنع من الموت حياة؛ ليست عبارة تقال لمجرد الاستعراض في الحياة الفلسطينية، وليست لملء فراغات وسطور عارية من المعنى، بل هي تأكيد على أن الفلسطيني يواجه الموت في كل محطات حياته، ويطارده في كلّ ظروفه وأوقاته، حتى ساعة الحلم يكون له نصيب وافر، والفلسطينية العشرينية رغد خميس تثبت مجدداً أن الموت منبت حياة، إن لم يكن لها ولمن يعاصرها، فهو للأجيال اللاحقة التي لا بد أنها ستبحث عما سيغذي ذاكرتها بالتاريخ وتناقضاته.

"نكهة دم" اصدار روائي جديد يضاف لمخزون الأدب الفلسطيني، وهو الاصدار الأول الذي ولد على يدي كاتبته الشابة رغد رياض خميس "21عاما"، طالبة أدب لغة انجليزية فرع ترجمة، سكان مدينة الخليل، لاجئة من قرية "عراق المنشية" المهجرة، التي تبعد عن غزة حوالي 32 كيلو متراً.

"كنت أرى نفسي دوما مهندسة معمارية وأديبة في نفس الوقت... علّني أضيف مسحة من الجمال وسط هذا الخراب والدمار، علّني أهندس قصراً وسط الأنقاض لأكسر روتين الحطام! علّني أبني بيتا أنيقاً خارج لعنة المخيم" كتبت رغد.

عندما تراكمت الأوجاع والآلام في ذاكرة الشابة رغد خميس خاصة في ظل تصاعد وتيرة الأحداث في فلسطين، ومسلسل القتل الذي يخضع له المواطن الأعزل، رغد لم تكن بمعزل عن الصورة، بل كانت تعيش هذا الألم لحظة بلحظة، ولما اشتد مخاض ذاكرتها، وأخذ الوجع مأخذه من روحها، سال دم ابداعها لتلد ذاكرتها رواية "نكهة دم"، التي تحمل التناقضات الفلسطينية.

وجسدت الكاتبة رغد احدى محطات روايتها "لم أشارك يوماً بالمظاهرات ولم أشتبك مع قوات الاحتلال، لكني فعلت يومها، أمسكت أول حجر صادفني، وبدأت برشق الحجارة تماما كشباب المخيم.... اقتربت كثيرا من جنود الاحتلال، ووسط قنابل الصوت والمسيلة للدموع انتشلني مجد، حملني وركض".

الحبّ لا يكترث بالظروف، تراه في السلم وفي الحرب، وتراه بينهما كذلك، والرواية تجسد بعض فصوله. تقول رغد:"حاولت من خلال رواية نكهة دم عكس الواقع الفلسطيني بكل أوجاعه ونكساته وبعض محطات فرحه من خلال شخصيتين أساسيتين هما ذكرى ومجد، تنشأ بينهما قصة حب، يحول الاحتلال والمرض بينهما".

في مطلع روايتها تساءلت الكاتبة "لما أنا بالذات حُرِمتُ من رقصة الفالس مع أميري الأول؟".

رغد استلهمت فكرة الرواية من واقع الشعب الفلسطيني والتي هي جزء أصيلا منه. تقول :" كل يوم أسمع نحيب الأمهات، كل يوم أرى سقوط شهيد، أرى المضايقات التي يتعرض لها المواطن على الحواجز، وهذا ما دفعني للكتابة". وتبين أن القراءة المستمرة التي تنتهجها ساهمت بشكل كبير في تنمية مهارة الكتابة لديها.

الوجع على مراحل، وكذلك رواية "نكهة دم"، تحتمل عدة مراحل وتتوزع على عدة محاور. قالت رغد:" تناولت في المحور الأول الوجع الفلسطيني، وهذا مستنبط من الواقع. ثم محور التمييز العنصري _لاجئ، مدني، قروي_ وتجسد ذلك بأن ذكرى ابنة مخيم، ومجد يحمل هوية مقدسية، وعندما أرادا الارتباط اعترضت أم مجد، وهنا أظهرتُ الطبقية في المجتمع الفلسطيني".

لم تكتفي رغد بالتطرق لهذه المحاور، فالفلسطيني لا يعاني فقط من الاحتلال ومخلفات الانتداب البريطاني، والسياسات القائمة، فهو يعاني أيضا كغيره من بني الانسان من أمراض تنتشر هنا وهناك. تقول رغد" تناولت أيضا محور ألم ووجع مريضة السرطان ذكرى التي فقدت شعرها وثديها نتيجة المرض، وهنا حاولت نقل وعكس الوجع الذي تعانيه المريضة، المرض الجسدي والنفسي، الى جانب ما تعانيه من الاحتلال".

تلك التناقضات الانسانية التي تلوح في خاطر المريض كتبتها رغد "هي تجربتي الأولى، وأول خطوة في عالم الكيماوي، هذا العالم الفتاك الذي يفتك بك قبل كل شيء، جرعات تكسر ما تبقى لك من حياة وتتركك جثة هامدة تنبض بكل وهن ووجع، لطالما سألت نفسي لما أنا يا الله؟ لما اخترتني لأكون شاهدة على انهيار جمالي؟ لما لم تعطني فرصة كي أتمتع بأنوثتي الكاملة؟.. هذه الأفكار التي كانت تجتاحني رغم قوة ايماني".

عنونت رغد روايتها بـ "نكهة دم" وهذا العنوان لقي اعتراضاً من كثير، إلا أن الكاتبة آثرت أن يبقى لأنها تعتقد أن الواقع العنيف الذي تعيشه هو وحي هذا الاسم.

"أنا فلسطينية مشبعة بالألم والجرح الفلسطيني، حاولت خدمة القضية ولو بشيء بسيط من خلال القلم، وروايتي متواضعة خاصة أنها البداية. والعنوان فيه نوع من السخرية، وفيه نوع من التناقض؛ فكيف يكون للدم نكهة، لكن على ما يبدو الدم الفلسطيني له نكهة مميزة، لأن معظم شعوب العالم تلذذت بذبحنا وقتلنا منذ فجر التاريخ" قالت رغد.

تميل رغد لقراءة الكتب على اختلافها، وتتعمق في الروايات، غير أن الكاتبة المصرية رضوى عاشور هي أكثر من فرض حبه وأثره على رغد الى جانب زوج عاشور مريد البرغوثي".

تختم رغد "إن كان قلمي يستحق ولدي نفس روائي أتمنى أن أبقى في هذا المجال، وإن لم أكن أمتلك هذه الموهبة فأنا أنتظر من القراء أن يقولوا لا تكملي في هذا المجال حتى لا أجرم بحق الأدب".

"أخذتُ صورة أخيرة للمخيم.... أترك أماني وأبي ومجد وحيدين على جدار غرفتي، وأذهب في اللاشيء، ها أنا أتقدم بلا أي ذكرى... لا أملك شيئا سوى الذكرى التي تدفعني بلا تردد نحو ما أريد. لأكون ذكرى للشهادة، لأكون فعلا ذكرى نضال مع الوطن والمرض ذكرى نضال ، هذه أنا .." ختمت رغد روايتها.